دخول
المواضيع الأكثر شعبية
مواضيع مماثلة
عدد الزوار منذ
6/2010
عدد الزيارات منذ
6/2010
حكم من سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
صفحة 1 من اصل 1
حكم من سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
حكم من سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أجمع العلماء على أن من سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المسلمين فهو كافر مرتد يجب قتله .
وهذا الإجماع قد حكاه غير واحد من أهل العلم كالإمام إسحاق بن راهويه وابن المنذر والقاضي عياض والخطابي وغيرهم . الصارم المسلول 2/13-16 .
وقد دل على هذا الحكم الكتاب والسنة :
أما الكتاب؛ فقول الله تعالى : ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة / 66 .
فهذه الآية نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر ، فالسب بطريق الأولى ، وقد دلت الآية أيضاً على أن من تنقص رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد كفر ، جاداً أو هازلاً .
وأما السنة؛ فروى أبو داود (4362) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ ، فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا .
قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (2/126) : وهذا الحديث جيد ، وله شاهد من حديث ابن عباس وسيأتي اهـ .
وهذا الحديث نص في جواز قتلها لأجل شتم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروى أبو داود (4361) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ [سيف قصير] فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا. فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ . فَقَامَ الْأَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَلا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ). صححه الألباني في صحيح أبي داود (3655) .
والظاهر من هذه المرأة أنها كانت كافرة ولم تكن مسلمة، فإن المسلمة لا يمكن أن تقدم على هذا الأمر الشنيع، ولأنها لو كانت مسلمة لكانت مرتدةً بذلك، وحينئذٍ لا يجوز لسيدها أن يمسكها ويكتفي بمجرد نهيها عن ذلك.
وروى النسائي (4071) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ : أَغْلَظَ رَجُلٌ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، فَقُلْتُ : أَقْتُلُهُ ؟ فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ : لَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . صحيح النسائي (3795) .
فعُلِم من هذا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان له أن يقتل من سبه ومن أغلظ له ، وهو بعمومه يشمل المسلم والكافر .
إذا تاب من سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهل تقبل توبته أم لا ؟
اتفق العلماء على أنه إذا تاب توبة نصوحاً، وندم على ما فعل، أن هذه التوبة تنفعه يوم القيامة، فيغفر الله تعالى له.
واختلفوا في قبول توبته في الدنيا، وسقوط القتل عنه.
فذهب مالك وأحمد إلى أنها لا تقبل، فيقتل ولو تاب.واستدلوا على ذلك بالسنة والنظر الصحيح :
أما السنة فروى أبو داود (2683) عَنْ سَعْدٍ بن أبي وقاص قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ وَابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ : وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ( يفطن لصواب الحكم ) يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ ؟ فَقَالُوا : مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ ؟ قَالَ: إِنَّهُ لا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ . صححه الألباني في صحيح أبي داود (2334) .
وهذا نص في أن مثل هذا المرتد الطاعن لا يجب قبول توبته ، بل يجوز قتله وإن جاء تائباً .
وكان عبد الله بن سعد من كتبة الوحي فارتد وزعم أنه يزيد في الوحي ما يشاء ، وهذا كذب وافتراء على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو من أنواع السب. ثم أسلم وحسن إسلامه ، فرضي الله عنه . (الصارم المسلول 115).
ذكر العظيم آبادي في شرح الحديث :
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَى الرَّشِيد هَهُنَا الْفِطْنَة، لِصَوَابِ الْحُكْم فِي قَتْله اِنْتَهَى .
وَفِيهِ أَنَّ التَّوْبَة عَنْ الْكُفْر فِي حَيَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مَوْقُوفَة عَلَى رِضَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ الَّذِي اِرْتَدَّ وَآذَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا آمَنَ سَقَطَ قَتْله قَالَهُ السِّنْدِيُّ ا هـ. من عون المعبود.
وأما النظر الصحيح :
فقالوا : إن سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعلق به حقان؛ حق لله، وحق لآدمي . فأما حق الله فظاهر، وهو القدح في رسالته وكتابه ودينه. وأما حق الآدمي فظاهر أيضا فإنه أدخل المَعَرَّة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا السب، وأناله بذلك غضاضة وعاراً. والعقوبة إذا تعلق بها حق الله وحق الآدمي لم تسقط بالتوبة، كعقوبة قاطع الطريق، فإنه إذا قَتَل تحتم قتله وصلبه، ثم لو تاب قبل القدرة عليه سقط حق الله من تحتم القتل والصلب، ولم يسقط حق الآدمي من القصاص، فكذلك هنا، إذا تاب الساب فقد سقط بتوبته حق الله تعالى، وبقي حق الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسقط بالتوبة .
فإن قيل : ألا يمكن أن نعفو عنه ، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد عفا في حياته عن كثير ممن سبوه ولم يقتلهم ؟.
فالجواب :كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تارة يختار العفو عمن سبه، وربما أمر بقتله إذا رأى المصلحة في ذلك، والآن قد تَعَذَّر عفوُه بموته، فبقي قتل الساب حقاًّ محضاً لله ولرسوله وللمؤمنين لم يعف عنه مستحقه، فيجب إقامته . الصارم المسلول 2/438 .
وخلاصة القول :
أن سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أعظم المحرمات، وهو كفر وردة عن الإسلام بإجماع العلماء، سواء فعل ذلك جاداًّ أم هازلاً. وأن فاعله يقتل ولو تاب، مسلما كان أم كافراً. ثم إن كان قد تاب توبة نصوحاً، وندم على ما فعل، فإن هذه التوبة تنفعه يوم القيامة، فيغفر الله له .
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، كتاب نفيس في هذه المسألة وهو (الصارم المسلول على شاتم الرسول) ينبغي لكل مؤمن قراءته ، لاسيما في هذه الأزمان التي تجرأ فيها كثير من المنافقين والملحدين على سب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما رأوا تهاون المسلمين، وقلة غيرتهم على دينهم ونبيهم، وعدم تطبيق العقوبة الشرعية التي تردع هؤلاء وأمثالهم عن ارتكاب هذا الكفر الصراح. نسأل الله تعالى أن يعز أهل طاعته ، ويذل أهل معصيته .
عاقبة من سب رسول الله في الدنيا :
إن الله عز وجل يغار على دينه، ويغار على نبيه، ومن غيرته تعالى أنه ينتقم ممن آذى رسوله، لأن من آذى رسوله فقد آذى الله، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً) (الأحزاب:57).
والله تعالى قد تولى الدفاع عن نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا)، وأعلن عصمته له من الناس (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ) وأخبر أنه سيكفيه المستهزئين (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) سواء كانوا من قريش أو من غيرهم .
قال الشنقيطي رحمه الله: وذكر - الله - في مواضع أخرى أنه كفاه غيرهم كقوله في أهل الكتاب (فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ..) وقال (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) .
وقال ابن سعدي رحمه الله: " وقد فعل تعالى ، فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة ".أهـ
أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل وابن مردويه بسند حسن والضياء في المختارة، عن ابن عباس في قوله (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) قال: المستهزئون، الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن عبطل السهمي والعاص بن وائل، فأتاه جبريل فشكاهم إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: أرني إياهم، فأراه كل واحد منهم، وجبريل يشير إلى كل واحد منهم في موضع من جسده ويقول : كَفَيْـتُكَهُ، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما صنعت شيئا !. فأما الوليد، فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً فأصاب أكحله فقطعها. وأما الأسود بن المطلب، فنزل تحت سمرة فجعل يقول: يابنيّ، ألا تدفعون عني؟ قد هلكت وطُعنت بالشوك في عينيّ فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً فلم يزل كذلك حتى عتمت عيناه . وأما الأسود بن عبد يغوث، فخرج في رأسه قروح فمات منها . وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منه . وأما العاص فركب إلى الطائف فربض على شبرقة فدخل من أخمص قدمه شوكة فقتلته ( الدر المنثور 5/101) .
أجمع العلماء على أن من سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المسلمين فهو كافر مرتد يجب قتله .
وهذا الإجماع قد حكاه غير واحد من أهل العلم كالإمام إسحاق بن راهويه وابن المنذر والقاضي عياض والخطابي وغيرهم . الصارم المسلول 2/13-16 .
وقد دل على هذا الحكم الكتاب والسنة :
أما الكتاب؛ فقول الله تعالى : ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة / 66 .
فهذه الآية نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر ، فالسب بطريق الأولى ، وقد دلت الآية أيضاً على أن من تنقص رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد كفر ، جاداً أو هازلاً .
وأما السنة؛ فروى أبو داود (4362) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ ، فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا .
قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (2/126) : وهذا الحديث جيد ، وله شاهد من حديث ابن عباس وسيأتي اهـ .
وهذا الحديث نص في جواز قتلها لأجل شتم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروى أبو داود (4361) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ [سيف قصير] فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا. فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ . فَقَامَ الْأَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَلا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ). صححه الألباني في صحيح أبي داود (3655) .
والظاهر من هذه المرأة أنها كانت كافرة ولم تكن مسلمة، فإن المسلمة لا يمكن أن تقدم على هذا الأمر الشنيع، ولأنها لو كانت مسلمة لكانت مرتدةً بذلك، وحينئذٍ لا يجوز لسيدها أن يمسكها ويكتفي بمجرد نهيها عن ذلك.
وروى النسائي (4071) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ : أَغْلَظَ رَجُلٌ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، فَقُلْتُ : أَقْتُلُهُ ؟ فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ : لَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . صحيح النسائي (3795) .
فعُلِم من هذا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان له أن يقتل من سبه ومن أغلظ له ، وهو بعمومه يشمل المسلم والكافر .
إذا تاب من سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهل تقبل توبته أم لا ؟
اتفق العلماء على أنه إذا تاب توبة نصوحاً، وندم على ما فعل، أن هذه التوبة تنفعه يوم القيامة، فيغفر الله تعالى له.
واختلفوا في قبول توبته في الدنيا، وسقوط القتل عنه.
فذهب مالك وأحمد إلى أنها لا تقبل، فيقتل ولو تاب.واستدلوا على ذلك بالسنة والنظر الصحيح :
أما السنة فروى أبو داود (2683) عَنْ سَعْدٍ بن أبي وقاص قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ وَابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ : وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ( يفطن لصواب الحكم ) يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ ؟ فَقَالُوا : مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ ؟ قَالَ: إِنَّهُ لا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ . صححه الألباني في صحيح أبي داود (2334) .
وهذا نص في أن مثل هذا المرتد الطاعن لا يجب قبول توبته ، بل يجوز قتله وإن جاء تائباً .
وكان عبد الله بن سعد من كتبة الوحي فارتد وزعم أنه يزيد في الوحي ما يشاء ، وهذا كذب وافتراء على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو من أنواع السب. ثم أسلم وحسن إسلامه ، فرضي الله عنه . (الصارم المسلول 115).
ذكر العظيم آبادي في شرح الحديث :
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَى الرَّشِيد هَهُنَا الْفِطْنَة، لِصَوَابِ الْحُكْم فِي قَتْله اِنْتَهَى .
وَفِيهِ أَنَّ التَّوْبَة عَنْ الْكُفْر فِي حَيَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مَوْقُوفَة عَلَى رِضَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ الَّذِي اِرْتَدَّ وَآذَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا آمَنَ سَقَطَ قَتْله قَالَهُ السِّنْدِيُّ ا هـ. من عون المعبود.
وأما النظر الصحيح :
فقالوا : إن سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعلق به حقان؛ حق لله، وحق لآدمي . فأما حق الله فظاهر، وهو القدح في رسالته وكتابه ودينه. وأما حق الآدمي فظاهر أيضا فإنه أدخل المَعَرَّة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا السب، وأناله بذلك غضاضة وعاراً. والعقوبة إذا تعلق بها حق الله وحق الآدمي لم تسقط بالتوبة، كعقوبة قاطع الطريق، فإنه إذا قَتَل تحتم قتله وصلبه، ثم لو تاب قبل القدرة عليه سقط حق الله من تحتم القتل والصلب، ولم يسقط حق الآدمي من القصاص، فكذلك هنا، إذا تاب الساب فقد سقط بتوبته حق الله تعالى، وبقي حق الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسقط بالتوبة .
فإن قيل : ألا يمكن أن نعفو عنه ، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد عفا في حياته عن كثير ممن سبوه ولم يقتلهم ؟.
فالجواب :كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تارة يختار العفو عمن سبه، وربما أمر بقتله إذا رأى المصلحة في ذلك، والآن قد تَعَذَّر عفوُه بموته، فبقي قتل الساب حقاًّ محضاً لله ولرسوله وللمؤمنين لم يعف عنه مستحقه، فيجب إقامته . الصارم المسلول 2/438 .
وخلاصة القول :
أن سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أعظم المحرمات، وهو كفر وردة عن الإسلام بإجماع العلماء، سواء فعل ذلك جاداًّ أم هازلاً. وأن فاعله يقتل ولو تاب، مسلما كان أم كافراً. ثم إن كان قد تاب توبة نصوحاً، وندم على ما فعل، فإن هذه التوبة تنفعه يوم القيامة، فيغفر الله له .
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، كتاب نفيس في هذه المسألة وهو (الصارم المسلول على شاتم الرسول) ينبغي لكل مؤمن قراءته ، لاسيما في هذه الأزمان التي تجرأ فيها كثير من المنافقين والملحدين على سب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما رأوا تهاون المسلمين، وقلة غيرتهم على دينهم ونبيهم، وعدم تطبيق العقوبة الشرعية التي تردع هؤلاء وأمثالهم عن ارتكاب هذا الكفر الصراح. نسأل الله تعالى أن يعز أهل طاعته ، ويذل أهل معصيته .
عاقبة من سب رسول الله في الدنيا :
إن الله عز وجل يغار على دينه، ويغار على نبيه، ومن غيرته تعالى أنه ينتقم ممن آذى رسوله، لأن من آذى رسوله فقد آذى الله، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً) (الأحزاب:57).
والله تعالى قد تولى الدفاع عن نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا)، وأعلن عصمته له من الناس (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ) وأخبر أنه سيكفيه المستهزئين (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) سواء كانوا من قريش أو من غيرهم .
قال الشنقيطي رحمه الله: وذكر - الله - في مواضع أخرى أنه كفاه غيرهم كقوله في أهل الكتاب (فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ..) وقال (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) .
وقال ابن سعدي رحمه الله: " وقد فعل تعالى ، فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة ".أهـ
أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل وابن مردويه بسند حسن والضياء في المختارة، عن ابن عباس في قوله (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) قال: المستهزئون، الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن عبطل السهمي والعاص بن وائل، فأتاه جبريل فشكاهم إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: أرني إياهم، فأراه كل واحد منهم، وجبريل يشير إلى كل واحد منهم في موضع من جسده ويقول : كَفَيْـتُكَهُ، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما صنعت شيئا !. فأما الوليد، فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً فأصاب أكحله فقطعها. وأما الأسود بن المطلب، فنزل تحت سمرة فجعل يقول: يابنيّ، ألا تدفعون عني؟ قد هلكت وطُعنت بالشوك في عينيّ فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً فلم يزل كذلك حتى عتمت عيناه . وأما الأسود بن عبد يغوث، فخرج في رأسه قروح فمات منها . وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منه . وأما العاص فركب إلى الطائف فربض على شبرقة فدخل من أخمص قدمه شوكة فقتلته ( الدر المنثور 5/101) .
mr-moha- ... عضـــ رائع ـــو ...
- عدد الرسائل : 785
العمر : 32
المكان : مصر
اهتمامات : من صديق
السٌّمعَة : 0
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 22/08/2007
مواضيع مماثلة
» الدفاع عن النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
» موقفنا من الاستهزاء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
» العوامل الدافعة للنيل من شخصية النبي صلى اللَّهُ علَيه و سلم
» موقفنا من الاستهزاء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
» العوامل الدافعة للنيل من شخصية النبي صلى اللَّهُ علَيه و سلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى